الفصل الرابع عشر ( النصر ) طموح جارية 3ع The third preparatory

عندما
بلغ توران شاه مصر، ذهب مسرعا إلى المنصورة، فأعلنت شجر الدر حينذاك وفاة السلطان،
وتولية ابنه توران شاه خلفا له، ولم تخل يدها من الأمر، إذ لم يكن له هم سوى
شهواته ومتعته.
ولم
يهتم بالموقف، وبدأ عمله بسقطات أغضبت الأمراء، وملأت القلوب حقدا عليه، وأرسل إلى
شجر الدر يطالبها بمال أبيه، ويحاسبها على ما أنفقته في غلظة وجفاء، غير مقدر لها
مواقفها المجيدة وما بذلت من جهد في حماية الوطن.
قال
الأمراء لشجر الدر في تذمر: وما الرأي في هذا السلطان الذي لا يصلح للملك؟! ليس هو
الذي يدبر الأمور في هذا الموقف العصيب! قالت باسمة: أليس الوطن أولى بكل تفكير في
هذا الوقت، وأحق بكل جهد؟! فلننس كل شيء حتى يتم النصر.
-
لكنها إهانات متكررة، وحمق لا يطاق ولا يسكت عليه.
وتصرف
يودي بنا جميعا، وإذا كان هذا موقفه منا والمعركة على أشدها، فماذا ننتظر بعدما
تضع الحرب أوزارها؟!
قالت
ووجهها ينطق بما في صدرها من الألم: مدبر الليل والنهار يتصرف يا بيبرس، والذي مد
سيفنا إلى عنق «دارتوا» قادر أن يريحنا ويذهب عنا الأذى والحزن!
دعنا
من توران شاه اليوم، وخلنا في المعركة، وأخبرني بما تم في الخطة الجديدة.
قال
بيبرس في عزم صادق: «انتهينا يا مولاتي (شجر الدر) من صنع السفن، وسنحملها مفصلة
إلى بحر المحلة، وهناك (عند النهر) يتم تركيبها، ثم تشحن بالرجال والذخيرة، وتقف
في طريق السفن الفرنجية القادمة بالميرة (بالطعام) من دمياط، فيموت لويس
ومن معه (وجيشه) جوعا، إن ركب رأسه (عاند) ولم يسلم أو يسرع بالفرار».
فسرت
شجر الدر لما سمعت، وجعلت (شجر الدر) تطيب خواطر الأمراء، ليرجئوا ما في نفوسهم
إلى ما بعد المعركة، فخرجوا مقتنعين برأيها، واندفعوا (الامراء) إلى العمل لينهوا
الحرب، وبعدها تلتفت سيوفهم إلى رقبة توران شاه.
ثم
زادت الأخبار السارة شجر الدر سرورا، فقد وردت بما يثلج صدرها ويقوى أملها في
النصر:
-
أقبلت مراكب الفرنج من دمياط محملة بالزاد والعتاد، فباغتتها سفننا المتربصة لها،
فأخذنا مراكبهم الاثنتين والخمسين أخذة رابية، وقتلنا منهم نحو ألف، وغنمنا كثيرا
من الغنائم.
-
وصلت مراكب الفرنج بالميرة الكثيرة، فالتقت بها سفننا، وقضت عليها جميعها، لم يفلت
واحد من رجالها، وكانت اثنتين وثلاثين مركبا، منها تسع شوان.
-
لويس حائر متفزع تدور به الأرض، يعيش في مجاعة شرسة، يأكل هو وجنوده الحشائش
والأسماك وجذور النبات! أصبحوا حيوانات تتقمم!
-
الجيش الفرنجي مهدد بالفناء!. الفزع يشتد في دمياط، ومن فيها هائمون على وجوههم.
امرأة
لويس التاسع جزعة تبكي حظها، وتندب زوجها، وتبحث عن طريق للنجاة، لكن المصيدة
انطبقت عليها، والشرك أحكم على زوجها وحملتها!
ولم
يطل الوقت وأقبلت رسل لويس ذليلة تعرض الصلح وترك دمياط، والعودة بما بقي من
الجيش، في مقابل تسليم بيت المقدس وبلاد الساحل من الشام. فصاح بدر الدين مندوب
مصر في وجه مندوبي الفرنج ساخرا ماذا يعرض لويس؟! وكيف يخيل إليه أننا سنوافق على
هذا العرض، أو نعيره التفاتا؟!
ألم
يعلم إلى اليوم حرصنا على ثالث الحرمين والقبلة الأولى للمسلمين، وما لها في
صدورهم من المكانة العظمى؟! فكيف يسلمونه؟!
لن
نترك شبرا من أرض الشام، بل يتخلى لنا الفرنج عن كل ما بأيديهم منه، إذا أحبوا أن
نفتح قبضتنا، ونطلق لويس المسكين، وسنرضى بهذا الثمن إشفاقا ورحمة على هذا
المغامر، الذي اندفع إلينا في غير رويّة ولا تدبر، ولا علم بنا وبسيوفنا ورماحنا!
إنه
في قبضتنا القوية، ولن يفلت منها، وقد وضع نفسه في أحرج مكان، فلا إلى المنصورة
وصل، ولا إلى دمياط عاد، وسوف يقبر في هذا المكان الذي اختاره ليكون مثواه الأخير؛
كيف ينجو ذلك الباغي من عاقبة طمعه وغروره.
قولوا
له: دمياط، والقدس. وبلاد العرب كلها وطن واحد، كل جزء فيه كسواه، ولن نفرط في
قلامة ظفر منه، فليذق الحمام، وليسكن مصر، لا في جناتها ونعيمها، بل في قبورها
التي ضمت قبله كثيرا من المعتدين الباغين.
عاد
رسل لويس إليه، يصفون له ما رأوا وما سمعوا، من عزم العرب ورفضهم تسليم شبر واحد
من أرضهم، فامتلأت عيناه بالدموع، ومن خلف تلك الدموع التي تقاطرت نظر إلى جنده
الذين أضناهم الجوع، وقرأ ما في أعينهم من السخط والتذمر، فخاف العاقبة، وأصدر
الأمر.
وبينما
كان المسلمون يبدءون عامهم الجديد، فرحين بما أفاء الله عليهم من نصر، وما أنزل
بعدوهم من هزيمة، وشجر الدر تضع الخطة لإنهاء المعركة، أقبلت الأنباء العاجلة تهز
القلوب فرحا:
-
الفرنج ينسحبون إلى دمياط! يتحركون في سرعة الرياح، مشاة وفرسانا يجرون ذيول
الخيبة، وسفنهم بجانبهم في النيل، ولم يتركهم جنودنا وطاروا بجيادهم خلفهم يبعثرون
مؤخرتهم، وينثرون أشلاءها في الطريق وبين الحقول، وهم يفرون في هلع من الموت الذي
يلاحقهم، ويطحن من يدركه منهم، حتى بلغوا فارسكور.
-
لحق المسلمون بأولئك الفارين، ونشبت معركة طاحنة، فهجم بيبرس عليهم في ضراوة، وشق
صفوفهم أمام جنوده، ومالوا عليهم ميلة واحدة، وأثخنوهم ضربا وطعنا، وسيف لويس جامد
لا يجد يدا تدفعه ولا قلبا يحركه، وجنوده حوله لا يحسنون ضربة ولا طعنة، فلم يجد
المعتدى سوى الفرار، ملتجئا إلى قرية منية أبى عبد الله، على الشاطئ الشرقي لفرع
دمياط، بين فارسكور وشرمساح.
فر
ذلك الجبان بنفسه، تاركا خلفه ثلاثين ألفا من الضحايا، يتساقط الطير على جثثهم،
وتجهر الوحوش على من بقي فيه رمق منهم، ولكن أين يفلت ذلك الآبق؟!
-
لاحقنا لويس ومن تبعه، فلم يجدوا أمام أفواه الموت سوى أن يرفعوا أيديهم في ذلة،
يطلبون الأمان ويستسلمون للأسر !
طربت
شجر الدر لما سمعت، والتفتت إلى جندها الأبطال الذين زفوا الأخبار، وقالت بوجه
مبسوط: «وماذا صنعتم بملك الفرنج؟!» مسكين، كان يعد نفسه ليكون ملك مصر والشرق،
ويعد امرأته لذلك الملك، وتكون شجر الدر جارية لها تذلها وتذل بها المسلمات! فأين
ذهب؟!
-
في دار ابن لقمان يا مولاتي، أسيرا ذليلا يرسف في الأغلال، يحرسه الطواشي صبيح!
-
وأخواه أنجوا وبواتيه؟
-
في القيود يا مولاتي مع الأسرى، يلعنان من فكر ومن أشار ومن دبر، يودان أن يضمهما
قبر أخيهما «دارتوا»، الذي لقى حتفه بسيوفنا، ويريحا أنفسهما مما يجدان من المذلة!
-
وأين السلطان العزيز توران شاه؟!
-
في فارسكور يا مولاتي، غارق في لهوه ولعبه، يعزل ويولى، وينحى الأمراء الأبطال،
ورجال الدولة المخلصين، ويقدم الطائشين من حاشيته اللاهية، ويفرق الإقطاعات بغير
حساب، ويتوعدنا بالقتل والإفناء، وقد انتهت المعركة بيننا وبين الفرنج ولم يبق
سواه!
ابتسمت
شجر الدر ابتسامة عريضة، كانت إيذانا ببدء العمل، فانصرف الجنود مسرعين إلى
فارسكور، واقتحموا على توران شاه برجه الخشبي، وضربه بيبرس بسيفه فقطع أصابعه، ففر
إلى أعلى البرج واحتمى به، فلم يصعدوا إليه، وأضرموا النار في البرج، فلم يجد مفرا
من الموت إلا أن يلقى بنفسه في النيل فسبح المماليك إليه، أمامهم أقطاي شاهرا
سيفه، حتى بلغه فضربه ضربة أطاحت برأسه، وترك جثته تهوى إلى أعماق الماء، ثم عاد
إلى الشاطئ وهو يردد في غضب قائلا:
-
هذا جزاء من لا يحفظون العهد، ولا يقدرون العاملين!
جزاء
من أعناه، وقدمناه، وملكناه، ثم استدار علينا بالأذى!
ثم أسرعوا يفكرون في الملك الجديد، من يكون؟
ملخص الفصل الرابع عشر "النصر" في نقاط:
J1. وصول توران شاه وسلوكه الطائش:**
- وصل توران شاه (ابن نجم الدين) إلى المنصورة،
فأعلنت شجر الدر وفاة والده رسميًا.
- كشف عن فشله كقائد:
- أهمل
شؤون الحرب، وانشغل باللهو والملذات.
- أساء
معاملة شجر الدر، وطالبها بحساب أموال أبيه بجفاء.
- عزل
القادة الأكفاء وعين مقربين غير كفء، مما أثار غضب الأمراء.
J2. شجر الدر
تتحمل وتخطط للنصر:**
- رغم إهانات توران شاه، حثت القادة (بيبرس، أيبك،
أقطاي) على ترك خلافاتهم حتى انتهاء الحرب.
- نفذت الخطة العسكرية بذكاء:
- **حصار
لويس جوعًا:** صنعت سفنًا محلية لقطع إمدادات الفرنج من دمياط، فاضطر جنوده لأكل
الحشائش والأسماك!
- **تدمير
أسطول الفرنج:** استولت على 84 سفينة فرنجية، وقتلت الآلاف، مما زاد ذعر
لويس.
J3. هزيمة لويس
التاسع الذليلة:**
- أرسل لويس يطلب الصلح، وعرض تسليم القدس وأجزاء من
الشام مقابل انسحابه، فرفض المصريون بسخرية.
- حاول الفرنج الفرار إلى دمياط، لكن:
- لاحقهم
الجيش المصري في **معركة فارسكور**، وقتلوا 30 ألفًا منهم.
- أُسر
لويس وأخواه، وسُجن في دار ابن لقمان بالمنصورة، بينما فر الباقون.
J4. نهاية توران
شاه الغادرة:**
- بعد النصر، كشف توران شاه عن نواياه الخبيثة: هدد
بقتل الأمراء والمماليك!
- تصرف القادة بسرعة:
- هاجم
**بيبرس وأقطاي** برجه الخشبي، فقطع بيبرس أصابعه.
- أحرقوا
البرج، فقفز توران شاه إلى النيل، لكن أقطاي لحقه وقطع رأسه بسيفه.
J5. البحث عن ملك
جديد:**
- بعد التخلص من توران شاه، بدأ القادة يفكرون في
خليفة جديد للحكم.
- تُرك الأمر مفتوحًا، مع تلميحات إلى أن شجر الدر
قد تلعب دورًا محوريًا في الاختيار.
JJ **الخلاصة:**
الفصل يُظهر:
- **براعة شجر الدر** في قيادة الحرب رغم خيانة
توران شاه.
- **الإهانة التاريخية للفرنج** الذين جاؤوا لاحتلال
مصر فانتهوا أسرى وجائعين.
- **بداية فصل جديد** في مصر، حيث تترقب الأمة
قائدًا يستحق النصر.
> "لويس الذي حلم بملك مصر، صار أسيرًا في
دار ابن لقمان.. وتوران شاه الذي خان شعبه، صار جثة في النيل!"
- ولم تخل يدها من الحكم لأن السلطان الجديد لم يكن له همٌّ سوى شهواته ومتعته.
- أرسل إلى شجرة الدر يطالبها بمال أبيه ويحاسبها في غلظة شديدة ولم يقدر لها مواقفها لحماية الوطن.
وطالبتهم بأن ينسوا هذا الأمر حتى يتم النصر، كما كانت تذكرهم بالاعتماد على مشيئة الله مدبر الليل والنهار.
- أثرها: فرحت شجرة الدر بهذه الخطة فرحاً شديداً.
- في المرة الثانية: اثنتين وثلاثين سفينة محملة بالميرة والطعام الكثير.
- الجيش: أصبح مهدداً بالفناء.
- زوجته مرجريت: كانت تبكي على زوجها وتبحث عن طريق للنجاة.
- الرد: بالسخرية والرفض وطلب التخلي عن كل ما بأيديهم إن أحبوا أن يُطلق سراح لويس.
- اشتد القتال حتى لم يجد لويس سوى الفرار من المعركة وترك وراءه ثلاثين ألف جندي.
- لم يجد من بقي من جيشه سوى إعلان الاستسلام.
- أما أخواه فقد تم أسرهما ووضعهما مع بقية الجنود، ويتمنيان أن يلحقا بأخيهما "دارتوا" في قبره.
- هرب إلى أعلى البرج فأشعلوا النار فيه فقفز إلى النيل فتبعه المماليك وقتلوه.
جميل
ردحذفجزاك الله خيرا
ردحذفجزاكم الله كل خير 🙂❤
ردحذفجزاك الله خيرا
ردحذف